21- قوله تعالى : {إن جهنم كانت مرصادا} ؛ أي : إن نار جهنم كانت ذات ارتقاب، ترقب من يجتازها وترصدهم
([1]) .
22- قوله تعالى : {للطاغين مئابا } ؛ أي : إن جهنم للذين تجاوزوا الحد في العصيان حتى بلغوا الكفر ، مرجع ومصير يصيرون إليه ويستقرون فيه .
23- قوله تعالى : {لابثين فيها أحقابا} أي : إن هؤلاء الطاغين ماكثون ومقيمون في النار أزماناً طويلة تلو أزمان لا انقطاع لها
([2]) .
24- قوله تعالى : {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا} ؛ أي : لا يحسون ولا يطعمون فيها هواء يبرد حر السعير عنهم
([3]) ، ولا يشربون شيئاً يروى عطشهم الذي نتج عن هذا الحر .
25- قوله تعالى : {إلا حميما وغساقا} ؛ أي : لا يذوقون البرد والشراب ، لكن يذوقون الماء الذي بلغ النهاية في حرارته ، وصديد أهل النار المنتن الذي بلغ النهاية في برودته
([4]).
26- قوله تعالى : {جزاء وفاقا} ؛ أي ثواباً موافقاً لأعمالهم
([5]) .
27- قوله تعالى : {إنهم كانوا لا يرجون حسابا} ؛ أي : إن هؤلاء الطاغين كانوا في الدنيا لا يخافون
([6]) أن يجازيهم أحد على سوء أعمالهم ، فوقعت منهم هذه الأعمال التي جوزوا عليها جزاء وفاقا .
28- قوله تعالى : {وكذبوا بآياتنا كذابا} ؛ أي : كذبوا تكذيباً شديداً ، ولم يصدقوا بالقرآن وغيره من الآيات .
29- قوله تعالى : {وكل شيء أحصيناه كتابا} ؛ أي : ضبطنا وعددنا عليهم كل شيء عملوه ، فكتبناه وحفظناه عليهم
([7]) .
30- قوله تعالى : {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} ؛ أي : ذوقوا أيها الكفار الطاغون من عذاب هذه الأحقاب ، فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنس عذاب النار
([8]) ؛ كما قال تعالى : {هذا فليذوقوه حميم وغساق * وءاخر من شكله أزواج} ، والعياذ بالله ، وهذه الآية من أشد ما نزل في عذاب الكفار
([9]) .
([1]) لما كان المقام مقام وعيد وتهديد للمختلفين في النبأ قدم ذكر جهنم ، التي هي اسم من أسماء دار العذاب الأخروي ، والمرصاد : مكان الرصد والترقب ، وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الصراط الذي وضع على متن جهنم ، فيمر الناس عليه ، فتختطف النار بكلاليبها وخطاطيفها أهلها الذين حكم الله عليهم بدخولها ، وقد أشار السلف في تفسير هذه الآية إلى المرور على النار ؛ كالحسن ، وقتادة ، وسفيان الثوري .
([2]) ورد عن بعض السلف – كالحسن وقتادة والربيع بن أنس – تحديد مدة الحقب ، ومع ذلك نبهوا على أن هذه الأحقاب تتوالى على الكافرين فلا تنتهي ، وهذا يرفع ما يورده بعض من استدل على فناء النار بهذه الآية ، وذلك أنه كان للحقب مدة محددة ، لكن الله أطلق هذه الأحقاب فلم يقيدها بعدد ، فصدق عليهم أنهم يمكثون في النار أحقاباً لا حصر لها ، كما لو قيل : لابثين فيها سنين ، فهذا لا يمنع الخلود ، فهم يصدق عليهم أنهم يلبثون سنين ، لكن لا حصر لها .
وفيه توجيه آخر ذكره الطبري ، فقال : وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك : لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب ، وهو أنهم : {لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا} [النبأ : 24-25] ،
فإذا انقضت تلك الأحقاب ، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك ؛ كما قال جل ثناؤه في كتابه : {هذا وإن للطاغين لشر مئاب * جهنم يصلونها فبأس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق * وءاخر من شكله أزواج} [ص : 55- 58] ، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية .
وقد ذكر الإمام الطبري عن مقاتل بن حيان أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً} [النبأ : 30] ، ثم قال : "ولا معنى لهذا القول ؛ لأن قوله : {لابثين فيها أحقابا} [النبأ : 23] ، خبر ، والأخبار لا يكون فيها نسخ ، وإنما النسخ في الأمر والنهي " .
ولو حُمل كلام مقاتل على مفهوم النسخ عند السلف – وهو مطلق الرفع لشيء من معنى الآية أو حُكمها ، وهو أعم من المصطلح الذي ذكره الطبري – لما كان في الأمر إشكال ، ويكون مراد مقاتل أن الآية الأخرى تبين أنهم إذا انتهوا من العذاب في هذه الأحقاب ، فإنه يزاد عليهم العذاب بعد ذلك، وهذا هو معنى التوجيه الثاني الذي ذكره الطبري واختاره .
ويظهر من هذا المثال وغيره أن الإمام الطبري رحمه الله تعالى لم يكن يُعمل مصطلح السلف في النسخ، ولذا كان يعترض على مثال هذا المثال ، وفي هذا فائدة علمية ذات خطر ، وهي أن تعرف مصطلح كل قوم ، ولا تحمل كلامهم على مصطلح غيرهم ، فتقع في الخطأ ، وأعظم ما يكون الخطأ إذ حملت ألفاظ القرآن والسنة على المصطلحات حادثة مبتدعة ، فتقع بذلك الطوام ، وتحرف نصوص الكتاب والسنة . انظر في ذلك : الصواعق المرسلة ، لابن القيم ، تحقيق : الدخيل الله (1 : 189 – 192).
([3]) ذكر في معنى البرد قول آخر ، وهو أن يكون البرد النوم ، وقال عنه الطبري : "وقد زعم بعض أهل العلم بالكلام العرب – يعني : أبا عبيدة معمر بن المثنى – أن البرد في هذا الموضع النوم ، وأن معنى الكلام : لا يذوقون فيها نوماً ولا شراباً ، واستشهد لقيله ذلك بقول الكندي : بردت مراشفها على فصدني عنها وعن قبلاتها البرد / يعني بالبرد : النعاس .
والنوم ، وإن كان يبرد غليل العطش ، فقيل له من أجل ذلك : البرد ، فليس هو بأسمه المعروف ، وتأويل كلام الله على الأغلب من معروف كلام العرب دون غيره" .
وقد نسب هذا القول لابن عباس (تفسير البغوي) ، ومجاهد والسدي (تفسير الماوردي) ، وهو قول يحتمله السياق ، غير أنه مترجح للسبب الذي ذكره الطبري ، وإذا كان كذلك ، فإن سبب الاختلاف : الاشتراك اللغوي ، ويكون من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى .
([4]) اختلفت عبارة السلف في تفسير الغساق ، فقال بعضهم : الغساق : هو ما سال من صديد أهل النار، ورد ذلك عن عطية العوفي ، وعكرمة ، وأبي رزين ، وإبراهيم النخعي ، وابن زيد . وعن عبد الله بن بريدة أن المنتن بالاطخارية [أي بلغة أهل طخارستان} . قال بعضهم : الغساق ، الزمهرير ، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة ، وعن مجاهد من طريق ليث ، وعن أبي العالية، والربيع ابن نس .
ومادة (غسق) فيها هذان المعنيان ، أما الغسق بمعنى البرد ، فمنه غسق الليل ، سمى بذلك لبرودته . وأما الغسق بمعنى الصديد المنتن الذي يسيل من أهل النار ، فمن قولهم غسق الجرح : إذا سال فيحه . وعلى هذا ، فالتفسيران صحيحان ، وجائز اجتماعهما في معنى الغساق ، ويكون من عذاب النار الذي يعذب الله به الكفار . وهذا هو ترجيح الإمام الطبري .
وعلى هذا فسبب الاختلاف : الاشتراك اللغوي ، وهو من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى .
([5]) كذا ورد عن السلف : ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة ، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح ، وقتادة من طريق معمر وسعيد ، والربيع من طريق أبي جعفر ، وابن زيد الذي جعل نظيرها قوله تعالى: {ثم كان عاقبة الذين اساؤوا السوأى } [الروم : 10] .
([6]) عبر مجاهد وقتادة عن جملة " لا يرجون" بأنهم لا يخافون ، وقد ورد عن أهل اللغة كذلك (تهذيب اللغة: 11 : 182) ، ويرد الإشكال في تفسير الرجاء الذي هو ترقب حصول أمر محبوب للنفس ، بالخوف الذي هو ضد له . وتحرير ذلك : أن الرجاء بمعنى الخوف لا يأتي إلا منفيا ؛ أي : لا يرجون (انظر : معاني القرآن للفراء : 1 : 286) ، وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف ؛ لأن الرجاء أمل قد يُخاف ألاّ يتم (انظر : معاني القرآن ، للزجاج : 2 : 100) .
([7]) يظهر من السياق أن الحديث عن كتاب الأعمال الذي تسجله الملائكة على العباد ؛ لأن المقام –فيما يظهر- مقام محاسبة ، وهم سيحاسبون على ما كتب عليهم ، لا على عموم قدر الله سبحانه ، ذلك أن بعض المفسرين جعل المحصى هنا كل قدر الله الذي في اللوح المحفوظ ، والله أعلم .
([8]) هذه الآية مرتبطة بقوله : {جزاء وفاقا} [النبأ : 26] ، وما قبلها من قوله : {إن جهنم كانت مرصادا} [النبأ : 21] ، وتكون الجمل التي بينهما معترضة ، والله أعلم . انظر : التحرير والنوير .
([9]) أسند الطبري ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه : {فذوقوا فلن تزيدكم إلا عذابا} [النبأ : 30] قال : فهم في مزيد من العذاب أبداً .