(
التعلم والتعليم ) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكُميل – رجل من أصحابه - : احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رَعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلي ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة نصوص الشرع المطهر وآثار السلف وأقاويل
أهل العلم في فضل العلم والعلماء والتعلم والتعليم خارجة عن حوزة الحصر ، والمقصود من هذا الباب بيان خطر العلم والتعلم في رفع راية الدين وسموق لوائه بين العالمين
.
والمقصود بالعلم ههنا كل علم أورث خشية لله وعزة للدين ، وإن كان من علوم الدنيا ، وعلوم الدين مقصودة لذاتها ، أما علوم الدنيا فمقصودة بالتبع ، فمن ابتغى علما من علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والإدارة والمحاسبة وتقنية الحاسب الآلي واحتسب المثوبة وصدق في تسخير علمه لخدمة الدين رُجي أن تكون هذه العلوم بمثابة علوم الدين ، بل طلبها حينئذ أشرف ممن طلب علوم الدين ولم يرفع بها رأسا . إن المقصود بكلامنا عن العلم هنا ما يعين على إعزاز الدين ورفع راية الحق ، ولا يكون ذلك إلا بثلاثة أمور : الأول : تعظيم العلم وإجلاله واعتقاد خطورته كما قال حافظ حكمي رحمه الله وقدس العلم واعرف قدر حرمته لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم[/b]
الثاني الجد في طلبة وترك الدعة والكسل ، ومسابقة الغير فيه ، والتفوق على أهل ملة الكفر والعناد . الثالث : الالتزام بمنهج جاد يسير عليه ويعول . ثم إن المقصود بالتعلم والتعليم ههنا أيضا بلوغ الرتبة العليا والغاية الكبرى منهما ، وليس مجرد نوال حظ منه ولو كان قليلا . فهمة الدعاة والغيورين على الدين يجب أن تسابق الريح ، وأن تكتسح الصعوبات ، وتتجاوز الأزمات ، فترقى بصاحبها إلى ذرى المجد والناس قعود [1] علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ص 141 . وإنما أوردنا قول الإمام علي رضي الله عنه دون غيره لأن له شاهدا وثيق الصلة بما نحن فيه ، وهو قوله في الصنف الثالث : وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق . وفي كلماته تراه يصف واقع الأمة
في كل زمان ومكان ، فالمسلمون لم يؤتوا إلى من الجهل والجهلاء ، تقوض ركن العلم فانهدم بنيان العدل حيث فقد من يحرسه ، وتوصيفه للفئة الثالثة بأنهم أتباع كل ناعق: طارت مثلا ، وهو وصف لا تخطئه عيناك في المجتمعات المتخلفة التي ليس لها العقل المكتسب الذي تميز به الظالم من العادل ، وقوله : يميلون مع كل ريح ، صفة لازمة لمن لا شخصية له ، وهيئة راسخة فيمن تقولب في تمثال غيره لأنه لا شيء أو أنه شيء ليس له كيان أو طعم أو لون أو رائحة شأن كثير من الموائع الهلامية ! وقوله : لم يستضيئوا بنور العلم ، قد يظهر أنه وصف مؤكد ، والحق أنه وصف كاشف ، والمقصود بيان حماقة الـراغبين عن العلـم ، وأنهم يعشون في ظلمة ويبصرون النور ولكنهم { ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون } . وقوله : ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يشعر أن قليل العلم لا يكفي في العصمة من الضلالة والغواية ، وأن الاستزادة منه سبيل الجادين في النجاة والرغبة في الفوز