كيف تنكسرين لله؟أختــــاه، بعد أن علمتي فضائل الانكســـار لربِّ العالمين، عليكِ أن تبادري بتحقيق معانيه لكي تنالي ذاك الأجر العظيم ..
فاعلمي أن مظاهر الانكســـار تكمُن في::
1- تمام الخضوع لله عزَّ وجلَّ ..
2- الامتثال لجميع أوامره واجتنـــاب نواهيــــه
3- البكــاء من خشيتـه والتضرع إليـــه سبحـــانه ..
4- رجــاء رضــــاه والخوف من غضبـــه ..
5- تذكُّر الذنوب والانكســار حينها ..
6- ذكر الله في الخلوة ..
7- إطالة السجود بين يدي الله ..
8- الإلحـــاح في الدعــــاء ..
ولكن علينــا أن نُفرِّق بين انكســـار المؤمنين وانكســـار المنافقيــــن ..
يقول ابن القيم "والفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق: أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب
لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود نعم الله وجناياته هو .. فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح.
وأما خشوع النفاق .. فيبدو على الجوارح تصنعًا وتكلفًا والقلب غير خاشع. وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟، قال:
أن يرى الجسد خاشعًا والقلب غير خاشع ...
فالخاشع لله .. عبد قد خمدت نيران شهوته وسكن دخانها عن صدره، فإنجلى الصدر وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي به وخمدت الجوارح وتوقر القلب واطمأن إلى الله وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصار مخبتًا له .." [الروح (1:232)]
والانكسـار الحقيقي هو الذي يورث التواضع وخفض الجنـــاح للمؤمنين والمؤمنـات ..
ومن أهم مظاهره::
أولاً: التواضع والطاعة للزوج ..وقد يتبادر لذهن بعض الأخوات، أن هذا نوع من الاستعبــــاد أو الإهانة لكرامتها .. أو أنها لن تتمكن من تطبيق هذا المعنى؛ لأنها لم تتربى عليه من البداية ..
اعلمي يا أختـــاه، أن التغيير يبدأ من:: التصديق القلبي والقناعة العقلية ..
فلو آمنتي أن لكِ رب، هو القائــل سبحـــانه {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34] ..
ستتيقني أنكِ لو ظُلمتي، لن يجلب لكِ حقِك سوى الله العليِّ الكبيـــر .. وليس عن طريق أن تعاملي زوجِك معاملة النِد والانتقام لنفسِك.
وأن انكســــارك لن يعود عليكِ إلا بالخيــر .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟،
الودود الولود العئود، التي إذا ظُلِمَت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضًا حتى ترضى" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (2604)]
وهل يوجد خير أعظم من الجنـــــة ؟! ..
نسأل الله أن يرزقنا وإيـــــاكِ الفردوس الأعلى من الجنة،،
ولكي تصححي من طاعتك وتواضعك لزوجِك، عليكِ أن ..
1) تعاملي ربِّك ولا تعاملي البشر .. فطالما هدفك الأسمى هو رضــا ربِّك وطاعته، ثقي إنه لن يخذلك أبدًا .. ولو حدث وظُلمتي، سينتقم الله عزَّ
وجلَّ لكِ .. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .." [متفق عليه]
2) احتسبي فضل الانكســـار وطاعة الزوج .. فطاعتك لزوجِك قد تكون سببًا لدخولك الجنة أو وقوعِك في النــار والعيـاذ بالله ..
عن حصين بن محصن رضي الله عنه: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه و سلم، فقال لها "أذات زوج أنت؟"، قالت: نعم، قال "فأين أنتِ منه؟"، قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال "فكيف أنتِ له؟، فإنه جنتك ونارك" [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1933)] .. وقال صلى الله عليه و سلم "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" [صحيح الجامع (660)]
3) جاهدي نفسِك واكثري من الدعاء .. لكي يُعينك الله تعالى على حسن معاشرة زوجِك وطاعته؛ فإنها من أعظم الطاعــات لكل أخت مسلمة ولن تكون هينة .. قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
4) اصرفي عنكِ وساوس الشيطـــان .. يقول الله جلَّ وعلا { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ
كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53] .. فإذا حدثت بينكما مشاكل، عليكِ بالمبادرة بإصلاحها؛ لأنها نزغٌ من الشيطان .. ولا تتكبري وتأخذك العزة بالإثم، ولا تستمعي إلى القيل وقال؛ كي لا تتفاقم المشكلة وتنتهي إلى ما لا يُحمد عُقبــاه.
5) كوني ذكية .. فاللطف والانكســـار طريق العز والانتصــار.
6) كوني أغنى الناس، بالرضـــا بما قسمه الله لكِ .. قال صلى الله عليه و سلم ".. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس .." [رواه الترمذي وحسنه الألباني]
فكوني راضية تعيشي سعيدة .. ولا تُكَدِري صفو حيــاتِك بمقارنتها بحياة الأخريـــــات.
7) تلذذي بانكســـار نفسِك لربِّك .. فلا تُقصري في حق زوجِك، حتى إن قصَّر هو في حقِك .. فقد قال تعالى {.. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]
وعليكِ أن تجاهدي نفسك وتخفضي من صوتِك، وتنتقي الكلام الحسن .. وابتعدي عن مواطن غضبه، وتصنَّعي الانكســار له .. كل ذلك بحب ولين
ورفق؛ كي تكوني امرأة ملتزمة بصدق.
ثانيـــًا: التواضع للوالدين ..فقد أوصى الله عزَّ وجلَّ بالتواضع لهما، فقال تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]
فعليكِ بــــ ..
1) تنفيذ جميع أوامرهم في طاعة الله .. قال عروة بن الزبير "لا تمتنع من شيء أحباه"، وقال الحسن "أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما ما لم يكن معصية".
2) تقبيـــل أيديهم، بل وأرجلهم .. عن معاوية بن جاهمة: أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال "هل لك من أم؟"، قال: نعم، قال "فالزمها فإن الجنة عند رجلها" [رواه ابن ماجه والنسائي وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (2485)]
3) معاملتهم بتوقير ورفق وحنو وأدب .. وإدخال السرور على أنفسهم، وإرضائهم بكل شيء حتى وإن لم يكن على رغبتك، وإظهار الاقتداء بهم والاستجــابة
لنصائحهم.
ثالثًا: التواضع لجميع النــاس ..ولن تتمكني من ذلك، إلا إذا حققتي الآتي ..
1) العلم النــافـــع .. قال تعالى {.. إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} [الإسراء] .. قال ابن رجب في (فضل علم السلف) "وأهل العلم النافع؛ كلما ازدادوا في هذا العلم، ازدادوا تواضعًا
للَّه وخشية وانكسارًا وذلا" .
ولكي يكون علمِك نافعًا، يجب أن ..
أ) تعرفي ربِّك .. فتتعلمي مدى عظمة ربِّك وجلاله، فتذلي وتخضعي له سبحــانه .. يقول الله تعالى في الحديث القدسي "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن
نازعني واحدًا منهما أدخلته النار" [رواه مسلم]
ب) تعرفي نفسك وعِظَم ذنبِك .. فتنكسري ولا تتكبري .. روى: هشام بن حسان، عن محمد بن واسع: قيل له: كيف أصبحت؟، قال: "قريبًا أجلي، بعيدًا أملي، سيئًا عملي" [سير أعلام النبلاء (11:149)]
2) لا تنسي عاقبة المتكبرين .. يكفي إنهم محرومون من الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" [رواه مسلم] .. وقال صلى الله عليه و سلم " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان .." [رواه الترمذي وحسنه الألباني]
فذِلي لله الآن، قبل أن تُذَلي يوم القيـــامة،،
3) تعلمي الذل والانكســار في العبــــادة .. تعلمي كيفية الخشوع في صلاتِك، وفي صدقتك وصيــــامِك وسائر طاعاتِك.
4) تعلمي التواضع للنـــاس .. عن عياض بن حمار المجاشعي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" [رواه مسلم]
وسُئِل يوسف بن أسباط الزاهد: ما غاية التواضع ؟، قال: "أن لا تلقى أحدًا إلا رأيت له الفضل عليك" .. فدائمًا تستشعري أن من حولِك أفضل منِك وأن لهم المِنَّة عليكي، فتتواضعي لهم.
5) عليكِ بالدعـــاء بأن يرزقك الله الذل والانكســار إليـــه .. يقول ابن الجوزي : فإذا جلست على بساط الذل وقلت : يا عزيز من للذليل سواك؟، وعلى
بساط العجز وقلت: يا قادر من للعاجز سواك؟، وعلى بساط الضعف وقلت : يا قوي من للضعيف سواك؟، وعلى بساط الفقر والفاقة وقلت: يا غني من للفقير سواك؟،
وجدت الإجابة كأنها طوع يدك، فتصير عزيزًا بالله، قادرًا بالله، قويًا بالله، غنيًا بالله، إلى غير ذلك.
لا تنسي الدعـــاء .. "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
وأخيرًا؛ قال الإمام ابن الجوزي : "لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طُردت، ولا تقطع الاعتـذار ولو رُددت، فإن فتح الــباب للمقــبولين فـادخل دخول المتطـفلين
ومــد إليه يـدك، وقل لـه: مسكين فتصـدق عليــه، فإنما الصــدقات للفـقراء والمســاكين".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الذل والانكســار إليــــه،،