لماذا يطعنون في أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)؟
لعلّ البشريّة لم تعرف في تاريخها قوما يتلذّذون بالطّعن في الأموات ولعنهم، بعد اليهود، كهؤلاء المفتونين من الشّيعة، الذين يطعنون في صحابة النبيّ "صلى الله عليه وآله وسلّم" وزوجاته أمّهات المؤمنين، لأنّهم بكلّ بساطة يعلمون أنّ خطاب المظلومات الذي يُلغون به عقول الأتباع، ويستدرّون به عواطف وأموال المغرّر بهم، لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا بصنع الأعداء واختلاق العداوات.. وهم بهذا يقدّمون أعظم خدمة لأعداء هذه الأمّة والمتربّصين بها، بطعنهم في رموزها وحفظة مقدّساتها، بل إنّ الحقيقة المرّة التي لا ينكرها إلا مكابرا، أنّ هؤلاء المفتونين يخوضون بالوكالة غمار مؤامرة بدأها اليهود وتلقّفها المجوس، ووقع في حبائلها قوم قال الله عن أمثالهم:
"سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ"، مؤامرة توارثها الحاقدون والحانقون وأهل المكر جيلا بعد جيل، وإن اختلفت الأسماء والأدوار من جيل لآخر فإنّ الهدف بقي واحدا: إسقاط حجية القرآن والسنّة، وتحريف الإسلام وإلحاقه بالديانات الوثنية. مؤامرة استهدفت نقلَة الكتاب والسنّة أصحاب نبيّ الهدى صلى الله عليه وسلم.
وقد كان تركيز أولئك المتربّصين على الصّحابة الفاتحين؛ أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجرّاح وسعد بن أبي وقّاص وخالد بن الوليد، وعلى الصّحابة الذين رووا الآثار والسّنن، وعلى رأس هؤلاء نجد الصدّيقة عائشة رضي الله عنها، والزّاهدين الحافظين أبا هريرة وأنس بن مالك "رضي الله عنهما". وهؤلاء هم ألدّ خصوم الشّيعة، وهم هدفهم الأوّل في حربهم المستعرة على الصّحابة، وقد بلغ الحقد بأجدادهم أنّهم وضعوا حديثا على لسان الإمام جعفر الصّادق "عليه رحمة الله" يقول فيه: "ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة" الخصال للصّدوق. والمرأة هي عائشة رضي الله عنها.
أنس بن مالك (رضي الله عنه) لم يسلم هو الآخر من سهام الحاقدين، لا لشيء إلا لأنّه روى 2286 حديث.
أمّا الصدّيقة بنت الصدّيق أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، فذنبها هي الأخرى أنّها روت 5636 حديثٍ عن زوجها نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وروى عنها أكثر من 350 راوٍ؛ فكانت بكلّ جدارة راوية الإسلام الأولى، وحازت شرف كونها أعلم نساء هذه الأمّة، انفردت فيما أثر عن الفقهاء السّبعة الكبار بتقرير ربع الأحكام الشرعيّة في الإسلام، فهل نستغرب بعد كلّ هذا أن تكون غرضا لكلّ متربّص بهذا الدّين، من المستشرقين والعلمانيين، والشّيعة، وغيرهم؟.
قد لا يُستغرب تطاول اليهود والصليبيين والمستشرقين على أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، لأنّ هؤلاء قوم أنكروا الإسلام، وأنكروا نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ولكنّ المستغرب هو تطوّع الشّيعة لخدمة هؤلاء من داخل الصفّ الإسلاميّ.
ماذا يقولون في حقّ أمّ المؤمنين عائشة؟:لقد أدرك المتربّصون الأوّلون أنّ إسقاط عائشة لن يكون بالأمر الهيّن؛ لأجل ذلك عمدوا إلى وضع روايات كثيرة تطعن فيها، واختلقوا كثيرا من الأكاذيب للنّيل منها، وقد تسرّبت تلك الأكاذيب إلى بعض المصنّفات، فقيّض الله (جلّ وعلا) لها جهابذة السنّة ففضحوها وفضحوا واضعيها، ولكنّ المفتونين ضربوا صفحا عن جهود أولئك الجهابذة، وتغاضوا عن الرّوايات الكثيرة التي تمدح الصدّيقة (رضي الله عنها)، وركّزوا جهودهم في التنقيب عن تلك الموضوعات التي وأدها النقاد، فأخرجوها، وحاكموا أمّ المؤمنين (رضي الله عنها) على أساسها.
أخرجوا عائشة مع باقي أمّهات المؤمنين (رضي الله عنهنّ) من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، مع أنّ القرآن الكريم قد صرّح.
لم يقف المفتونون من الشّيعة عند حدّ إخراج أمّهات المؤمنين (رضي الله عنهن) من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، بل اتّهموا أمّ المؤمنين عائشة ومعها حفصة بمعاداة أهل البيت، وادّعوا أنّها (رضي الله عنها كانت تبغض عليا وفاطمة (رضي الله عنهما) أشدّ البغض، وأنّها خرجت لحرب عليّ حين بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان (رضي الله عنهما)، مع أنّها ما خرجت إلا طلبا للصّلح بين المختلفين استجابة لطلب بعض الصّحابة، ثمّ كيف ترفض خلافة عليّ (رضي الله عنه) وهي التي كانت توصي من يستشيرها بمبايعته بعد مقتل عثمان؟. وكيف تبغض عليا، وهي التي قالت بعد معركة الجمل تخاطب النّاس: "إنّه والله ما كان بيني وبين علي في القديم، إلا ما يكون بين المرأة وأحماءها، وإنّه عندي على معتبتي من الأخيار"، فقال عليّ (رضي الله عنه): "يا أيها الناس، صدقت والله وبرّت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم (صلى الله عليه وسلم) في الدنيا والآخرة" (تاريخ الطبري)؟.
افترى المغرضون على أمّ المؤمنين (رضي الله عنها) أنّها رفضت دفن الحسن(رضي الله عنه) إلى جنب جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، مع أنّه اشتهر عنها أنّها قالت حينما استشيرت في ذلك، قالت: "نعم وكرامة"، وحكموا عليها بأنّها منبع الشّرور ومصدر الفتن، وزعموا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أشار إلى بيتها وقال: (ألا إنّ الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشّيطان)، مع أنّ نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان قد أشار إلى جهة المشرق، وبالضّبط إلى جهة نجد العراق، وبالفعل فقد كان نجد العراق (الكوفة وما حولها) مصدر أكثر الفتن التي أثيرت والمؤامرات التي حيكت لهذه الأمّة، ومؤامرة الطّعن في الصّحابة وأمّهات المؤمنين من هناك بدأت.
بل الأدهى من كلّ ما سبق أنّ الشّيعة المفتونين ادّعوا على أمّ المؤمنين حبيبة الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّها تآمرت مع حفصة وأبي بكر وعمر لقتل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وسقته السمّ، وأنّ الله ضرب لها ولحفصة مثلا بامرأتي نوح ولوط الكافرتين، بل ويزعمون أنّ لها بابا من أبواب جهنّم السّبعة والعياذ بالله.
بل قد بلغ الأمر بالمفتونين من الشّيعة إلى حدّ اتّهام أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) بأنّها تزوّجت طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) في طريقها إلى البصرة، ومعلوم أنّ الله قد حرّم الزّواج بأمّهات المؤمنين في قوله (جلّ وعلا): "وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً" (الأحزاب:53)، وهم بهذا يتّهمونها بالزّنا، بل قد رووا أنّ المهديّ إذا ظهر فإنّه يخرج عائشة (رضي الله عنها) ويقيم عليها الحدّ لزواجها بطلحة، ويقيم عليها حدا آخر لأنّها اتّهمت مارية القبطية (رضي الله عنها) بالفاحشة، مع أنّها ( أي عائشة) كانت تسمّي الذين وقعوا في عرض مارية بأهل الإفك، والذين اتّهموها كانوا قوما من المنافقين..
من هي عائشة (رضي الله عنها)؟هذا ما يقوله أهل الإفك والبهتان في حقّ أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) التي تزوّجها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) بوحي من الله، وبُشّر بأنّها زوجته في الدّنيا والآخرة؛ ففي سنن الترمذي أنّ جبريل (عليه السّلام) جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة"، وقد كان عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) يحلف بالله أنها زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة. (مستدرك الحاكم). ويكفي أنّ الحبيب المصطفى (عليه الصّلاة والسّلام) أعلن في أواخر أيامه من هذه الدّنيا أنّها معه في الجنّة فقال: "لا يهوّن عليّ أنّي رأيت بياض كفّ عائشة في الجنّة" (مسند عائشة).
عائشة التي كانت أحبّ إنسان إلى قلب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأعظِم به من مقام: يروي البخاريّ في صحيحه أنّه (عليه الصّلاة والسّلام) بعث عَمْرو بن العاص (رضي الله عنه) على جيش ذات السلاسل، فـظنّ أنّه ما أمّره على الجيش إلا لأنّه أحبّ النّاس إليه، فجاء يسأل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم): "أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها."
علم الصّحابة هذا وتواتر بينهم، فكانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة لما يعلمون من حبّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لها، وقد جاءت أمّ سلمة (رضي الله عنها) إليه يوما تطلب منه أن يأمر النّاس أن يهدوا إليه حيث ما كان، فأعرض عنها، ثمّ كرّرت طلبها في يوم آخر فأعرض عنها، وفي الثّالثة قال لها: "يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها". (رواه البخاريّ). عائشة الفاضلة التي شهد لها المعصوم (عليه الصّلاة والسّلام) بفضلها على سائر النّساء فقال: (كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلا مريم ابنة عمران وآسيا امرأة فرعون، وفضل عائشة على سائر النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام.
وتوفّي (عليه الصّلاة والسّلام) في يومها وبين سحرها ونحرها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر أيامه من هذه الدّنيا، تقول (رضي الله عنها): "مرّ عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فظننت أنّ له بها، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه، فاستنّ بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة".
عائشة النقية العفيفة الطّاهرة التي أنزل الله في حقّها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، ووصفها بالطيّبة وقرنها بأفضل وأطيب خلقه فقال (جلّ شأنه): "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ".
وبعــد:هذه هي عائشة التي جعلها المتربّصون غرضا يتوصّلون به إلى إسقاط السنّة وإبطال الشّريعة، ولكن هيهات؛ فعائشة ستبقى -بإذن الله- طودا شامخا وغرّة في جبين التّاريخ، وقدوة تقتدي بها الصّالحات من نساء هذه الأمّة. وسنّةُ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) ستبقى منارا يستضيء به أكثر المسلمين، فليمُت الحاقدون بغيظهم، من مات منهم بغيظه فله كفن.
الطّعن في عائشة (رضي الله عنها) لن يزيدنا إلا يقينا في الحقّ الذي هدانا الله إليه، لأنّنا نعلم أنّ القضية أكبر من جرأة مفتون يسمّى ياسر الحبيب، وأكبر من انحراف مذهب يسمّى مذهب الشّيعة، ولكنّها قضية مؤامرة وحرب تستهدف هذا الدّين في مصدريه المعصومين القرآن والسنّة، وهذه الحرب لن تزيدنا - بإذن الله - إلا ثقة بقول الله (جلّ وعلا): "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".